المفاجأة هي الشيء الذي يجب أن تحول الاستخبارات دون حدوثه. مع ذلك فإن الأمة الأميركية تعرضت في الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلى مثل تلك المفاجأة، وكانت النتيجة كارثية. والآن تطرح علينا الذكرى الخامسة لهذه الأحداث الرهيبة السؤال مجدداً: هل أصبحت أجهزة استخباراتنا أكثر استعداداً الآن عما كانت عليه من قبل للمحافظة على سلامة أميركا؟ الإجابة بنعم؛ لأن تلك الأجهزة قد حققت الكثير من التقدم منذ الحادي عشر من سبتمبر. أولا وقبل كل شيء، يمكن القول إننا نفهم الآن الإرهاب العابر للأوطان بشكل أفضل من ذي قبل، وبالتالي فإننا أصبحنا أكثر استعداداً لمواجهته. وعلى الرغم من أن العدو يقوم بتغيير نفسه باستمرار ولا يزال شديد الخطورة، فإن جامعي ومحللي المعلومات في استخباراتنا يواصلون تعقبهم ومراقبتهم بعناية، للتطور الحادث في تنظيم "القاعدة" وحلفائه العقائديين. ففي الوقت الذي نقوم فيها ببناء قدراتنا وخبراتنا التحليلية، فإننا نقوم أيضا بتخصيص المزيد من الموارد لعملية جمع الاستخبارات البشرية بالنسبة للأهداف ذات الأهمية الأساسية. ومن بين المؤشرات على درجة الفعالية العالية التي حققناها أننا قمنا نحن وشركاؤنا بأسر وقتل أغلبية قيادات "القاعدة" التي اشتركت في تخطيط وتوجيه هجمات الحادي عشر من سبتمبر. نحن نعلم تماماً أن المعلومات الاستخباراتية في حد ذاتها لا تكون ذات فائدة كبيرة عندما لا يقع عليها بصر هؤلاء الذين يحتاجونها... وقد قمنا من أجل ذلك، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، بتفتيت المعلومات الاستخباراتية وتوزيعها على أكبر قدر ممكن من المختصين، وكانت النتائج التي تحققت جراء ذلك واضحة ومحسوسة. وبدون وجود المعلومات الجيدة في الأيدي الصحيحة، لما تمكنت قوات التحالف في العراق من تحديد مكان وقتل أبومصعب الزرقاوي، كما كان التعاون وتقاسم المعلومات هو السبب في نجاح السلطات البريطانية في إحباط مؤامرة إسقاط الطائرات الشهر الماضي. وعلى الرغم من أن الفضل في ذلك كان من نصيب البريطانيين، إلا أن الحقيقة هي أن تقاسم المعلومات بين أجهزة الاستخبارات البريطانية ونظيرتيها الأميركية والباكستانية قد دعم من الجهود التي قامت بها الأجهزة الأولى. هناك أدلة ملموسة على الكيفية التي قمنا بها- ونقوم بها- بتغيير الطريقة التي نؤدي بها عملنا. فنحن نواصل في الوقت الراهن تعزيز وتقوية المركز الوطني لمكافحة الإرهاب الذي يضم 28 شبكة استخباراتية. بالإضافة لذلك قمنا بإنشاء ما يعرف بـ"فرع الأمن القومي" داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف. بي.آي" وهو ما أدى إلى توسيع نطاق والوصل بين المعلومات الاستخباراتية للمكتب وبين الجوانب الخاصة بمكافحة الإرهاب وقدرات الاستخبارات المضادة. علاوة على ذلك فإننا أصبحنا الآن أكثر يقظة مما كنا عليه من قبل، خاصة فيما يتعلق بالتهديد الذي تمثله أسلحة الدمار الشامل عندما تقع في أيدي الإرهابيين. ومن هذا المنطلق قمنا بزيادة درجة تركيزنا على كوريا الشمالية وإيران، وبشكل خاص على برامجهما المتعلقة بإنتاج أسلحة الدمار الشامل. وفي الحقيقة فإن قيام كوريا الشمالية مؤخراً باختبار صواريخها البعيدة المدى مثل امتحاناً حقيقياً لقدرات أجهزة الاستخبارات الأميركية التي نجحت في اجتياز هذا الامتحان حيث قامت وكالات الاستخبارات المدنية والعسكرية الأميركية بالتنسيق مع شركائها الدوليين بتزويد صناع السياسات بالمعلومات الاستخباراتية التي يحتاجونها من أجل صياغة الاستجابة الدبلوماسية الملائمة في هذا الشأن. كل هذا حسن، ولكننا نستطيع مع ذلك أن نقوم بما هو أفضل. إننا متأكدون من ذلك، لأننا انتهينا بالفعل من مراجعة "الدروس المستفادة" في كافة مكونات الأجهزة الاستخباراتية الأميركية والتي كان الغرض منها معرفة كيف يمكننا أن نقوم بتحسين أنفسنا. إننا لن نسمح لأنفسنا مرة أخرى بأن نكون متساهلين أو متهاونين، وإنما يجب أن نعرف أن كل نجاح يزودنا بفرص جديدة للاستعداد بشكل أفضل لمواجهة التحدي المقبل الذي سيأتي حتما. في العقود التي سبقت الحادي عشر من سبتمبر كانت أجهزة الاستخبارات الأميركية مصممة بطريقة تجعلها قادرة على التركيز على التهديدات الرئيسية الخاصة بمرحلة الحرب الباردة. بيد أننا نعيش الآن في عصر مختلف ونواجه بتشكيلة من التهديدات مختلفة اختلافاً جذرياً عن التهديدات التي عبرت حدودنا. لقد قامت كل من لجنة الحادي عشر من سبتمبر ولجنة روب- سيلبرمان لأسلحة الدمار الشامل، بإعداد حصر دقيق وواضح بالتحديات الجديدة التي تواجهنا، ولم تكتف اللجنتان بذلك بل قدمتا إلينا رؤيتهما للقرن الحادي والعشرين وهي الرؤية التي تبنيناها بالكامل. ونحن الآن نقوم بالوصل بين الأجزاء المتفرقة سواء على مستوى الوطن أو على المستوى الدولي، كما نقوم بإدخال تحليل مكافحة الإرهاب عبر مجتمع الاستخبارات بأسره وإزالة العوائق البيروقراطية التي تحول دون تقاسم المعلومات. لا شك أن هذا مشروع طموح، ولكن الشعب الأميركي يجب أن يدرك أن مكونات أجهزة استخباراته القومية تعمل معاً بطريقه لم تكن متخيلة على الإطلاق قبل الحادي عشر من سبتمبر. ومن خلال خلق بؤرة تركيز جديدة وإتباع أساليب أفضل تقوم أجهزة الاستخبارات الأميركية بجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية، وتحليلها بشكل أكثر دقة وإتقاناً وتقاسمها على نطاق أكثر اتساعاً. إن الاستخبارات لا تقدم علاجاً شاملاً لكل شيء، ولكن ثمة طرقا يمكن من خلالها التأكد من أن مساهمة الاستخبارات في الأمن القومي تزداد قوة، وتساعد على إحباط مؤامرات أعدائنا قبل أن يتمكنوا من أن إلحاق المزيد من الأذى بنا. جون. دي. نيجروبونتي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مدير الاستخبارات القومية الأميركية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"